بسم الله الرحمان الرحيم
صورة لأطفال صينيين بجانب شعار الطفل الواحد في الصين |
ما تزال تعاليم الإسلام الحنيف نبعاً فياضاً لا ينقضي معينه وسراجاً منيراً لا ينطفئ نوره ، فكانت ولا تزال هى أسمى الهديا وأعظم العطايا التي أنعم بها الله عز وجل على البشرية جمعاء، فمنهم من تمسك بها فاهتدى ورشد ، ومنهم من انحرف عنها فغوى وضل. وقد خلق الله كل شيء بعلم ولحكمة، بقدر وتقدير، فقال تعالى"إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)"(القمر) وقال"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)" (الفرقان)، وقال أيضاً"قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)"(الطلاق).
كما وضع سبحانه الميزان وأنبت في الأرض من كل شيء موزون، وأمر عباده بالقسط ، فقال تعالى"وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) "(الرحمن)، وقال"وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)"، وقال كذلك"وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)"(الأنعام).
ومن المصطلح عليه ديموغرافياً أن النسبة النوعية الطبيعيةSex Ratio بين الجنسين(الذكور والإناث)، هى 105 ذكر/100أنثى، وذلك بناء على استقراء سكاني لسكان الكرة الأرضية، اعتمادا على قاعدة بيانات سويدية للمواليد والوفيات يرجع تاريخها الي عام1751م، وهو ما يمكن اعتباره ميزانا ديموجرافيا طبيعياً يحكم العلاقة العددية بين الجنسين. حيث أن الذكور هم اكثر عرضة للوفاة في سن صغيرة بشكل عام وعندما يصل الصبي والفتاة الي سن النضج يكون المعدل متساويا إلا في الاوقات الصعبة-كأوقات الحروب-ومن ثم تزيد نسبة النساء عن الذكور بفئة كبار السن. وقد اشتمل دين الإسلام على العديد من التعاليم التي تضمن لسكان الأرض حياة مستقرة ومتوازنة، وهذه التعاليم هى بمثابة القوانين الضابطة التي يؤدي العبث بها إلا اختلال بين وأزمات حقيقية:
• حث الإسلام على طلب الذرية وإكثار النسل، فقال صلى الله عليه وسلم [تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة]، رواه أبو داود والنسائي. • نهى الإسلام عن قتل الأولاد خشية الفقر فقال تعالى"وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)"(الإسراء)".
بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مولود يوهب للمرء، إنما يأتي برزقه، ففي الحديث المتفق عليه، يقول صلى الله عليه وسلم"إن أحدكم يُجمع خَلقُه في بطنِ أمهِ أربعين يومًا نُطفةً ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يُرسلُ إليهِ الملَك فينفخ فيه الروح، ويؤمرُ بأربعِ كلمات: بكتبِ رزقِهِ وأجلِه وعملِه وشقيٌّ أم سعيد". • نهت تعاليم الإسلام عن وأد البنات، وهى العادة التي كانت تسود بالمجتمع الجاهلي قبل الإسلام، فقال تعالى"وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)"(التكوير)، وكذلك حرمت شريعته إجهاض المرأة الحامل لنفسها للتخلص من جنين قد لا ترغب فيه، واعتبرت ذلك اعتداء على نفس بشرية لها الحق في الحياة.
• نهت تعاليم الإسلام عن تفضيل نوع على آخر لاعتبارات تتعلق بالجنس، فاختياره سبحانه للذَّكَر أو للأنثى ليس عن عجز في الخلْق، بل لحكمة ولمصلحة تتعلق بمَن أنجب الولد، قال تعالى"للهِ مُلْكُ السَّمواتِ والأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا ويَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وإِنَاثًا ويَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى:49-50)،، وقال تعالى"وإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وهُوَ كَظِيمٌ)النحل: 58)، فجعل القرآن الكريم ذلك المظهر من الاكتئاب والحزن عندما يبشَّر الوالد بمولود له هو أنثى ـ أمارةً على سوء الفَهم، فقيمة الإنسان في واقع أمره ليس في أنه ذكر أو أنه أنثى، بل في أنه "إنسان"في تهذيبه وفي سلوكه وحُسْن مُعاملته واستقامة تفكيره.
ولعل الأنثى ـ إذا وُجِّهَتْ توجيهًا سليمًا ـ تكون أقربُ إلى ذلك الإنسان المستقيم الناجح من الذكر؛ لأنَّها تجعل بحكم الفطرة استقامة التفكير وحسن السلوك وسيلةً لقَبولها في الأسرة المجتمع. وفي مقابل هذه التعاليم نجد أفراداً بل دولاً قد انحرفت عن هذا المنهج القويم، وسلكت مسالك أخرى أسفرت عن اضطرابات وأزمات، لم يكن من سبيل لتجاوزها إلا بالعودة إلى تعاليم هذا المنهج والأخذ بها. فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز الاثنين الموافق 11/يناير/2010م خبراً عن انتشار جرائم الخطف والاتجار في النساء بالمناطق الريفية بالصين، وخاصة التي توجد فيها أعداد زائدة من الرجال.وهذه ليست جرائم عارضة كالتي تحدث في بقاع العالم، ولكنها نتاج اختلال ديموجرافي وأزمة سكانية حقيقية تعيشها الصين، وبخاصة مع مطلع القرن الحادي والعشرين.
جدول رقم(1) التركيب النوعي والعمري لسكان المجتمع الصيني
ويعرض الجدول رقم(1) للتوزيع النوعي والعمري للسكان بالمجتمع الصيني عام 2000م، ومن خلاله يبلغ عدد السكان 1276123 مليون ، يبلغ عدد الذكور 656890 مليون، يشكلون 51.5% ، والإناث 619233 مليون نسمة، يشكلون 48.5% من جملة السكان. وعلى مستوى الشرائح العمرية(2007م)، بلغت النسبة النوعية بالشريحة من 0-9 سنوات 126 ذكر/100 أنثى ، وفي الشريحة من 10-19سنة بلغت النسبة 119ذكر/100أنثى، ثم تنخفض هذه النسبة بتقدم السن، لتنخفض بشريحة كبار السن (أكثر من 65 سنة)إلى 98 ذكر/100أنثى. وفي دراسة تحت عنوان "انتشار الإجهاض بسبب جنس معين في المناطق الريفية" أجرتها الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، اعتبرت مشكلة تفاوت النسبة النوعية بين الجنسين أخطر مشكلة ديموجرافية تواجه سكان الصين البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة، وأشارت إلى أن انتشار ثقافة تفضيل الولد على البنت بشكل قوى، واختلال التوازن بين الجنسين يعود إلى عدة أسباب معقدة . وأشار باحثون أن المشكلة تفجرت منذ أواخر عام 1980م، عند استخدام تكنولوجيا الموجات فوق الصوتية وأصبحت أكثر انتشارا، وهذا يسمح للنساء بسهولة تحديد جنس الجنين، مما يؤدى إلى زيادة عدد الإجهاض لتحيزهن إلى جنس الذكور.
شكل رقم(1) تطور الهرم السكاني في الصين
وفي الوقت ذاته تبنت الحكومة الصينية ما يعرف بسياسة"الطفل الواحد"، حيث أن الصين تحكمها هذه السياسة منذ عام 1979م، مع بعض الاستثناءات بالنسبة للمزارعين في المناطق الريفية والأقليات العرقية والمجموعات الأخرى. وقد أسفرت هذه السياسة عن انخفاض معدلات الخصوبة بالصين من 5.5 طفل/امرأة عام 1950 إلى 1.7طفلا لكل امرأة عام 2004م. ويظهر أثر هذا الاتجاه بالهرم السكاني الصيني بالفئات السنية-الثلاثين- التي تمثل قاعدة الهرم(شكل رقم(1))، والشكل رقم(2) يعرض للتطور النسبة النوعية بين الذكور والإناث بالفئة من (0-10) سنوات، ويتضح من خلالها الارتفاع الواضع للنسبة النوعية لاسيما في السنوات الأولى عام 2000م، مقارنة بالوضع في عامي 1953م و1964م.
شكل رقم(2) ارتفاع النسبة النوعية لصالح الذكور بفئة صغار السن
شكل رقم(3) ارتفاع نسبة كبار السن وتحول المجتمع إلى مجتمع مسنين
وأشار الباحث (وانغ قوانغ تشو) أن الرجال ذوى الدخل المنخفض لا يستطيعون الزواج إلا في سن متأخرة وهو ما يقلل من نسبة الإنجاب ويزيد من فرص الإجهاض، وخاصة في ظل اتساع الفجوة العمرية بين الزوجين،وهو ما اتفق معه الباحث الصينى الآخر (وانغ يوى شنغ) حيث قال إن الأماكن الأكثر فقرا في الصين سوف تضطر لقبول الزواج في سن متأخرة لاستمرار حياتهم دون إنجاب وهو ما يساهم في عدم التواصل بين الأجيال من خلال امتداد العائلة لعدم وجود ابن يحمل اسم أبيه. كما يسهم في انتشار هذه الظاهرة سياسة تنظيم الأسرة التي تحد من كثرة عدد الأطفال، إضافة إلى عدم كفاية نظام الضمان الاجتماعى، في حين أن الثقافة المنتشرة بين الصينيين في الريف هى ثقافة تفضيل الذكور على الإناث لتحقيق مكاسب مادية وإعالتهم، إضافة إلى قدرتهم على رعاية والديهم المسنين. وكان من نتائج ذلك أنه في عام 2020م سيكون هناك أكثر من 24 مليون رجل في سن الزواج لا يستطيعون الزواج بسبب اختلال التوازن بين الجنسيين، وكذلك فإنه نتيجة لهذه السياسة التي اتبعتها الحكومة منذ سبعينيات القرن العشرين سوف ترتفع معدلات إعالة الكبار Old Dependency Raio بالمجتمع الصيني، شكل رقم(3)، إذ أنه من المتوقع أن يصل عدد كبار السن عام 2035م إلى 391 مليون نسمة -حيث تتضاعف أعدادهم كل 27عام بينما يحتاج تضاعف السكان بهذه الشريحة إلى 115 سنة بفرنسا و69 سنة بالولايات المتحدة الأمريكية-وعليه فإنه سوف يرتفع عبء الإعالة بالصين ليتراوح نصيب الفرد الواحد من غير المسنين بين فرد إلى أربعة أفراد غير مسنين. وبذلك، فإن انحراف البشر عن منهج ربهم يفضي بهم إلى العنت لا محالة، قال تعالى"وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)"(طه) ، فالخير كل الخير في اتباع شرع الله، والهلاك في الانحراف عنه، لا في الآخرة فقط ، بل وفي الحياة الدنيا أيضاً. نسأل الله لنا ولجميع المسلمين السلامة والعافية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق