بسم الله الرحمان الرحيم
فليُعلم أن مؤسس القادنية " ميرزا غلام أحمد القادياني " قد خلَّف وراءه بعد موته – عام 1908 م - تركة من المال والجاه ، وأنه قد تنافس عليها كثير من أتباعه ، لكنَّ الاستعمار الإنجليزي – المؤسس الحقيقي لتلك الفرقة – لم يسمح لأحدٍ منهم بادِّعاء النبوة كما فعل الميرزا غلام أحمد ؛ ليحافظوا على انتشار تلك الفرقة بين المسلمين من غير تشكيك عوام المسلمين بهم ، لكن هذا لم يمنع من الخلاف مع ورثة الميرزا حول المال الذي خلَّفه لمن يكون وكيف يُقسم ؟
وقد حصل بسبب ذلك عام 1914 م افتراق في تلك الفرقة فنتج منه فرقتان : الأولى هي "الأحمدية القاديانية" وقد تبعت "بشير الدين محمود بن ميرزا غلام" والذي تولى أمر القاديانيين بعد موت "نور الدين البهيروي" الخليفة الأول لميرزا غلام ، وهي المقصودة بالقاديانية عند الإطلاق ، ويُطلق عليها "شعبة ربوة" – وهي اسم مدينة جديدة بناها وأسماها : "بشير الدين" ، وأدّعى أنها هي التي ورد ذكرها في القرآن (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) البقرة/265 ، و (إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ مَعِينٍ) المؤمنون/50 - فرقة أخرى أُطلق عليها "الأحمدية اللاهورية" ؛ حيث جعلوا مركزهم في "لاهور" عاصمة "البنجاب" ، ويُطلق عليها "شعبة لاهور" ، وكان المتزعم لها هو "محمد علي" وهو قادياني خبيث ، كان من أبرز أعوان الميرزا غلام القادياني ، وله ترجمة مشهورة للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية ، وقد حذَّر منها علماء أهل السنَّة لما فيها من دس اعتقاد الفرقة القاديانية فيها .
وقد اختلف العلماء في حقيقة اعتقاد "محمد علي" في الميرزا غلام أحمد القادياني ، فقال بعضهم بأنه كان يعتقد أنه مجدِّد ، لا أنه نبي ، ولكن الراجح أن الرجل خبيث ماكر ، وأنه أعلن هذا بعد وفاة الميرزا ليسوِّق للقاديانية من غير الانحراف الجلي الذي فيها وهو ادعاء الميرزا للنبوة ! وهو الذي حصل بالفعل ، فانتشرت بسببه القاديانية في بلاد كثيرة .
وإليك الآن تلخيصاً لأصل هذا الفرع من القاديانية ، وحقيقة اعتقادها :
قال الدكتور غالب بن علي عواجي وفقه الله :
"الفرع اللاهوري القادياني" :
أمير هذا الفرع هو : "محمد علي" ، من أوائل المنشئين صرح القاديانية ، وممن كان له يد ومنّة عظيمة في توجيه الغلام المتنبي ومساعدته بالفكر والقلم أيضاً ، وكان هو الآخر من أشد المخلصين للإنجليز والمحرضين على بذل الطاعة التامة لهم ، وقد كانت لهم مواقف مع الغلام وأسرته ؛ إذ كان أحياناً يتبرم من استبداد المتنبي بالأموال التي تصل إليه من أتباعه ، فيصرح للمتنبي بهذا ، ويرد عليه المتنبي هذه التهمة .
وبعد وفاة الغلام استفحل الخلاف بين أسرة "المتنبي" و "محمد علي" ، حول اقتسام الأموال التي جاءتهم حيث استغلها ورثة المتنبي مع علمهم (بأن هذه النبوة شركة تجارية وهم كلهم شركاء فيها) ، ولعل هذه الخلافات الشخصية لم يكن لها تأثير على إتمام الخطة وإحلال القاديانية محل الإسلام ، خصوصاً والقوة التي أنشأت الغلام وفكرته لا تزال هي القوة ، والمتآمرون لا يزالون في إتمام حبكها وتنفيذها .
أما بالنسبة لحقيقة معتقَد هذا الرجل في " غلام أحمد " ، وهل كان متلوناً أو كان له مبدأ أُمليَ عليه ، أو كان مقتنعاً به دون تدخل أحد : فإن الذي اتضح لي من كلام العلماء الذين نقلوا عنه آراءه أنهم مختلفون على النحو الآتي :
1. منهم من يرى أن "محمد علي" اختير من قبل الساسة الإنجليز لإتمام مخطط القاديانية بطريقة يتحاشى بها المواجهة مع مختلف طوائف المسلمين في الهند والباكستان وغيرهما ، ويتحاشى بها كذلك مصادمة علماء الإسلام الذين نشطوا في فضح القاديانية وإخراجها عن الدين الإسلامي ، فاقتضى الحال أن يتظاهر "محمد علي" وفرعه بأنهم معتدلون لا يقولون بنبوة "الغلام" ، وإنما يثبتون أنه مجدد ومصلح ؛ لاستدراج الناس إلى القاديانية ، ولامتصاص غضب المسلمين على القاديانية ، فتظاهر بعد ذلك "محمد علي" وفرعه بهذه الفكرة بغرض اصطياد من يقع في أيديهم .
2. ومنهم من يرى أن "محمد علي" وفرعه كانوا يعتقدون أن "الميرزا غلام أحمد" لم يدَّعِ النبوة ، وكل ما جاء عنه في ذلك إنما هي تعبيرات ومجازات ، وكابروا في ذلك اللغة ، وكابروا الواقع .
وقد لقبهم القاديانيون بالمنافقين (لأنهم يحاولون الجمع بين العقيدة القاديانية والانتساب إلى مؤسسها وزعيمها ، وبين إرضاء الجماهير) ومع هذا الموقف : فإن "محمد علي اللاهوري" ، دائماً يلقب "الميرزا غلام أحمد" بـ "مجدد القرن الرابع عشر" و "المصلح الأكبر" ، وزيادة على ذلك يعتقد أنه المسيح الموعود .
قال الندوي عنهم : "وعلى ذلك تلتقي الطائفتان" .
3. وذهب الأستاذ "مرزا محمد سليم أختر" في كتابه : "لماذا تركت القاديانية؟" إلى رأي آخر حيث قال - بعد أن ذكر ما وقع بين محمد علي وجماعة "الربوة" من خلاف على منصب الخلافة بعد نور الدين – قال : "وأنكر نبوة الميرزا ليكسب العزة عند المسلمين" ، ثم قال : "ولم ينكر أحدٌ هذه الحقيقة : أن "محمد علي" أقر بنبوة "الميرزا" ، وإنكاره لنبوته يعتبر كالعقدة في الهواء" .
والواقع : أن القول بأن الفرع اللاهوري - وعلى رأسهم "محمد علي" - ما كانوا يؤمنون بنبوة الغلام عن اقتناع : قولٌ بعيدٌ جدّاً ؛ ذلك أن مواقفهم وتصريحاتهم كلها تشهد بإقرارهم بنبوة الغلام وليس فقط أنه مصلح ومجدد .
كما أن تصريحات "الغلام" نفسه بنبوته لا تخفى على من هو أبعد من الفرع اللاهوري ، فكيف يقال بأنها خفيت عليهم ؟! .
كما أن معتقد الفرع اللاهوري ليس له أي أساس آخر غير الأساس الذي بناه "غلام أحمد" وأسهم فيه "محمد علي" نفسه .
والباطل لا بد وأن يتناقض أهله فيه ، فقد صرح "محمد علي" نفسه بقوله عن الغلام : "نحن نعتقد أن "غلام أحمد" مسيح موعود ، ومهدي معهود ، وهو رسول الله ونبيه ، ونزله في مرتبة بيَّنها لنفسه - أي : إنه أفضل من جميع الرسل - ، كما نحن نؤمن بأن لا نجاة لمن لا يؤمن به !" .
ونصوص أخرى كثيرة كلها تثبت أن هذا الفرع لا يختلف في النتيجة عن الحركة القاديانية الأم في قاديان ، وأنه كان يراوغ في إظهار معتقده نفاقاً وإيغالاً في خداع العامة ، حتى إنه كان يوصي أتباعه في جزيرة "مارشيس" ألا ينشروا هناك أن الغلام نبي ، وأن من لم يؤمن به فهو كافر ؛ لأن هذا المسلك يضر بانتشار القاديانية ، أي : ولكن ينشروا أنه مجدد ، لتقريب وجذب المسلمين إليهم .
ومن أقوال هذا الفرع أيضاً : "يا ليت أن القاديانية كانت تُظهر غلام أحمد بصورة غير النبي ... ولو فعلوا هذا لكانت القاديانية دخلت في أنحاء العالم كله" .
وبهذا يتضح : أن هذا الفرع أمكر وأكثر احتيالاً لنشر القاديانية ، وهو الذي أتيح له التوغل في العصر الحاضر إلى أقصى البلدان الإسلامية في آسيا وفي أفريقيا .
وقد قام محمد علي بنشاط كبير في عرض القاديانية ، ولعل من أهم أعماله : ترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية ، حيث ملأها بالأفكار القاديانية ، مما جعل الكثير من الناس يقعون ضحية تلك الأفكار ظانين أنها ترجمة رجل مسلم ، لقد اتجه هذا الرجل في تفسيره للقرآن وجهة خطيرة لم يتورع فيها عن الكذب والتعسف ومخالفة أهل العلم واللغة والإجماع ، وإنما فسره بمعان باطنية ، فيها التركيز على إنكار الإيمان بالغيب وبالقدرة الإلهية ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدّاً ، منها على سبيل المثال :
1. قوله تعالى لموسى : (اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً) البقرة/60 ، أي : أن الله أمر موسى بالمسير إلى جبل فيه اثنتا عشرة عيناً .
2. (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) البقرة/63 ، أي : كنتم في منخفض من الأرض والجبل يطل عليكم .
3. (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) البقرة/65 ، أي : مسخت قلوبهم وأخلاقهم .
4. (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ) آل عمران/49 ، المراد بالطير هنا : استعارة ، أي : رجال يستطيعون أن يرتفعوا من الأرض وما يتصل بها من أخلاق وأشياء ، ويطيروا إلى الله ويحلقوا في عالم الروح .
5. المراد باليد البيضاء التي أُعطي موسى : أي : الحجة ، والحبال والعصي في قوله تعالى : (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ) الشعراء/44 ، أي : وسائلهم وحيلهم التي عملوها في إحباط سعي موسى .
6. وفي قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) سبأ/14 الآية ، دابة الأرض : هو رجل اسمه "رحبعام بن سليمان" الذي تولى الملك بعده ، وسمي دابة الأرض لقصر نظره ، إذ كان لا يجاوز الأرض .
والمنسأة التي هي العصا : كناية عن ضعف الحكومة وانقراضها .
والجن : شعوب أجنبية بقيت في حكم بني إسرائيل إلى ذلك العهد .
وهدهد سليمان : هو إنسان ! كان يسمَّى الهدهد ، وكان رئيس البوليس السري ! في حكومة سليمان.
وقد تلاعب بمعاني القرآن الكريم على هذا التفسير الباطني الهزلي المملوء بالأكاذيب والخرافات ، وقد تلقفه المسلمون - خصوصاً من لم يعرف العربية - بكل سرور ، لعدم علمهم بأن تفسير "محمد علي" للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية ، إنما يراد به هدم معاني الشريعة الإسلامية والمفاهيم الصحيحة ، وقد ذكر الأستاذ الندوي في كتابه "القادياني والقاديانية" كثيراً من مثل هذا التلاعب بالقرآن للتحذير وإبراء الذمة .
"فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام" (2/846 – 851) . وعلى هذا ، فهذه الفرقة اللاهورية لا تختلف عن أصلها : ولها الحكم نفسه ، وهو الخروج من الإسلام .
وقد صدر قرار عن " مجلس مجمع الفقه الإسلامي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي " برقم : 4 ( 4 / 3 ) بشأن القاديانية واللاهورية ، وقد جاء فيه :
"وأما اللاهورية : فإنهم كالقاديانية في الحكم عليهم بالردة ، بالرغم من وصفهم ميرزا غلام أحمد بأنه ظل وبروز لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم" انتهى .
"مجلة المجمع" عدد 2 (1/209) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 45525 ) في تحريم تزوج المسلم من قاديانية .
وعليه : فلا يجوز لك البقاء مع زوجتك تلك إلا أن تعلن إسلامها ، وتتبرأ من قاديانيتها ، وبخلاف ذلك تكون علاقتك معها غير شرعية ، ولا يحل لك التذرع بحبها وتعلقك بها ، وتركك لها ليس لك فيه خيار ، بل هو واجب شرعي ، حتَّمه اعتقادها المنحرف ، قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36 ، فإما أن تعلن إسلامها ، وحينئذ تعقد عليها عقداً جديداً ، وذلك لبطلان عقد النكاح السابق ، وإما أن تصر على عقيدتها فتفارقها ، ومن ترك شيئاً لله أبدله الله خيراً منه .
والله أعلم
0 التعليقات:
إرسال تعليق