بسم الله الرحمن الرحيم
مواقع النجوم آية من آيات الله
صورة لتشكيلة نجمية من سحابة ماجلان (تصوير وكالة الفضاء الأوربية ) |
الدكتور زغلول النجار
أستاذ علوم الكون وعلوم الأرض في الجامعات المصرية
والسعوديةومدير أكاديمية مارك فيلد في بريطانيا
قال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة:76، 75 ) في هاتين الآيتين الكريمتين يقسم ربنا تبارك وتعالي ـ وهو الغني عن القسم ـ بمواقع النجوم, ثم يأتي جواب القسم: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة:80).
والمعنى المستفاد من هذه الآيات الكريمة:
أن الله تعالى يخبرنا بقوله( عز من قائل): أقسم قسماً مغلظاً بمواقع النجوم ـ وأن هذا القسم جليل عظيم ـ لو كنتم تعرفون قدره ـ أن هذا القرآن كتاب كريم, جمع الفوائد والمنافع, لاشتماله على أصول الدين من العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات, وغير ذلك من أمور الغيب وضوابط السلوك وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة والعبر المستفادة منها, وعدد من حقائق ومظاهر الكون الدالة على وجود الله و على عظيم قدرته, وكمال حكمته وإحاطة علمه. ويأتي جواب القسم: أن الله تعالى قد تعهد بحفظ هذا الوحي الخاتم في كتاب واحد مصون بقدرة الله( تعالى), محفوظ بحفظه من الضياع أو التبديل والتحريف, وهو المصحف الشريف, الذي لا يجوز أن يمسه إلا المطهرون من جميع صور الدنس المادي( أي المتوضئون الطاهرون), ولا يستشعر عظمته وبركته إلا المؤمنون بالله, الموحدون لذاته العليا, المطهرون من دنس الشرك, والكفر, والنفاق, ورذائل الأخلاق, لأن هذا القرآن الكريم هو وحي الله الخاتم, المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وهو معجزته الخالدة إلى يوم الدين, أنزله الله تعالى بعلمه وهو الإله الخالق, رب السماوات والأرض ومن فيهن, وقيوم الكون ومالكه ( سبحانه وتعالى), ولذلك يقول( عز من قائل): (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة) تفسير القسم بمواقع النجوم: الفاء حرف عطف, يُعطف بها فتدل على الترتيب والتعقيب مع الاشتراك, أو يكون ما قبلها علة لما بعدها, وتجري على العطف والتعقيب دون الاشتراك, وقد تكون للابتداء, ويكون ما بعدها حينئذ كلاماً مستأنفاً, وأغلب الظن أنها هنا للابتداء.
وأما لا فقد اعتبرها نحاة البصريين حرفاً زائداً في اللفظ لا في المعني, بينما اعتبرها نحاة الكوفيين اسماً لوقوعها موقع الاسم, خاصة إذا سُبقت بحرف من حروف الجر, وهي تأتي نافية للجنس, أو ناهية عن أمر, أو جوابية لسؤال, أو بمعني غير أو زائدة, وتارة تعمل عمل إن, أو عمل ليس, أو غير ذلك من المعاني. ومن أساليب اللغة العربية إدخال لا النافية للجنس على فعل القسم: لا أقسم من أجل المبالغة في توكيد القسم, بمعني أنه لا يقسم بالشيء إلا تعظيماً له, كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه فيفيد تأكيد القسم به, وقيل: هي للنفي, بمعني لا أقسم به إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أصلاً فضلا عن هذا القسم العظيم.
ومواقع النجوم:
هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة, وبسرعات جريها ودورانها, وبالأبعاد الفاصلة بينها, وبقوى الجاذبية الرابطة بينها, واللفظة مواقع جمع موقع يقال: وقع الشيء موقعه, من الوقوع بمعنى السقوط. والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها, وحركات النجوم عديدة وخاطفة, وكل ذلك منوط بالجاذبية, وهي قوة لا تُري, تحكم الكتل الهائلة للنجوم, والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها, والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعددة, وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها القليل ...!!!
وهذا القَسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة, والتي تقول أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا, فإن الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبداً, ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها, وعلى ذلك فهذه المواقع كلها نسبية, وليست مطلقة, ليس هذا فقط بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة, والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن, كما أنه نظراً لانحناء الضوء في صفحة الكون فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية, ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم, وليس بالنجوم ذاتها ـ على عظم قدر النجوم ـ التي كشف العلم عنها أنها أفران كونية عجيبة يخلق الله تعالى لنا فيها كل صور المادة والطاقة التي ينبني منها هذا الكون المدرك.
ماهية النجوم النجوم هي أجرام سماوية منتشرة بالسماء الدنيا, كروية أو شبه كروية, غازية, ملتهبة, مضيئة بذاتها, متماسكة بقوة الجاذبية على الرغم من بنائها الغازي, هائلة الكتلة, عظيمة الحجم, عالية الحرارة بدرجة مذهلة, وتشع كلاً من الضوء المرئي وغير المرئي بجميع موجاته. ويمكن بدراسة ضوء النجم الواصل إلينا التعرف على العديد من صفاته الطبيعية والكيميائية من مثل درجة لمعانه, شدة إضاءته, درجة حرارته, حجمه, كتلته, موقعه منا, سرعة دورانه حول محوره, وسرعة جريه في مداره, تركيبه الكيميائي, ومستوي التفاعلات النووية فيه إلى غير ذلك من صفات. وقد أمكن تصنيف النجوم العادية على أساس من درجة حرارة سطحها إلى نجوم حمراء (3200 درجة مطلقة) وهي أقلها حرارة, إلى نجوم برتقالية, وصفراء, وبيضاء مائلة إلى الصفرة, وبيضاء, وبيضاء مائلة إلى الزرقة, وزرقاء (30,000 درجة مطلقة) وهي أشدها حرارة, وشمسنا من النجوم الصفراء متوسطة الحرارة إذ تبلغ درجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة. والغالبية الساحقة من النجوم(90%) تتبع هذه الأنواع من النجوم العادية التي تعرف باسم نجـوم النسـق الأسـاسي(Main sequence),والباقي هي نجوم في مراحل الانكدار أو الطمس أو في مراحل الانفجار والتلاشي, من مثل الأقزام البيضاء, النجوم النيوترونية( النابضة وغير النابضة) والثقوب السود في المجموعة الأولي, والعمالقة الحمر, والعمالقة العظام, والنجوم المستعرة, وفوق المستعرات في المجموعة الثانية.
وأكثر النجوم العادية لمعاناً هي أعلاها كثافة, وبعضها يصل في كتلته إلى مائة مرة قدر كتلة الشمس, وتشع قدر إشعاع الشمس ملايين المرات، وأقل نجوم السماء لمعاناً هي الأقزام الحمر(Red Dwarfs), وتبلغ درجة لمعانها أقل من واحد من الألف من درجة لمعان الشمس.
وأقل كتلة لجرم سماوي يمكن أن تتم بداخله عملية الاندماج النووي فيسلك مسلك النجوم هو8% من كتلة الشمس ( المقدرة بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن), والنجوم بمثل هذه الكتل الصغيرة, نسبيا هي من النجوم المنكدرة من أمثال النجوم البنية القزمة أو ما يعرف باسم الأقزام البنية (Brown Dwarfs)..
والنجوم تمر بمراحل من الميلاد والشباب والشيخوخة قبل أن تنفجر أو تتكدس على ذاتها فتطمس طمساً كاملاً, فهي تولد من الدخان الكوني بتكدس هذا الدخان على ذاته(بإرادة الخالق سبحانه وتعالى) وبفعل الجاذبية فتتكون نجوم ابتدائية(Prostars), ثم تتحول هذه النجوم الابتدائية إلى النجوم العادية(Main Sequence Srars), ثم تنتفخ متحولة إلى العماليق الحمر (Red Giants),فإذا فقدت العماليق الحمر هالاتها الغازية تحولت إلى ما يعرف باسم السدم الكوكبية(Planetary Nebulae),ثم تنكمش على هيئة ما يعرف باسم الأقزام البيض (White Dwarfs), وقد تتكرر عملية انتفاخ القزم الأبيض إلى عملاق أحمر ثم العودة إلى القزم الأبيض عدة مرات, وتنتهي هذه الدورة بالانفجار على هيئة فوق مستعر من الطراز الأول (Type I Super nova Explosion) أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم العادي كبيرة( عدة مرات قدر كتلة الشمس) فإنه ينتفخ في آخر عمره على هيئة العمالقة الكبار (Super giants), ثم ينفجر على هيئة فوق مستعر من الطراز الثاني
(Type II Super nova Explosion), فينتج عن هذا الانفجار النجوم النيوترونية (Neutron Stars) النابضة (Pulsars), وغير النابضة (Non-Pulsating Neutron Stars), أو الثقوب السود (Black Holes)أو ما نسميه باسم النجوم الخانسة الكانسة وذلك حسب الكتلة الابتدائية للنجم. والنجوم العادية منها المفرد( مثل شمسنا) والمزدوج (Binary Stars)ومنها المتعدد (Multiple Stars), وتشير الدراسات الفلكية إلى أن أغلب النجوم مزدوجة أو متعددة, والنجوم المزدوجة تتشكل من نجمين يدوران في مدار واحد حول مركز ثقلهماCommon Cente of Mass,ومن النجوم المزدوجة ما يتقارب فيها النجمان من بعضهما البعض بحيث لا يمكن فصلهما إلا عن طريق فصل أطياف الضوء المنبثق من كل منهما بواسطة المطياف الضوئي (Spectroscope),ومن هذه النجوم المزدوجة ما يمكن أن يخفي احدهما الآخر لدرجة الكسوف الكلي. والنجوم أفران كونية يتم في داخلها سلاسل من التفاعلات النووية التي تعرف باسم عملية الاندماج النووي(Nuclear Fusion) وهي عملية يتم بواسطتها اندماج نوى ذرات الإيدروجين( أخف العناصر المعروفة) لتكون نوى الذرات الأثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة التي تزيد من درجة حرارة النجم حتى يتحول إلى ما يعرف باسم النجم المستعر(Nova)والعملاق الأحمر RedGiant, أو النجم العملاق الأعظم(Supergiant) وحينما يتحول قلب النجم المستعر إلى حديد تستهلك طاقة النجم, وتتوقف عملية الاندماج النووي فيه, وينفجر النجم فيتحول إما إلى قزم ابيض, أو إلى نجم نيوتروني أو إلى ثقب اسود حسب كتلته الابتدائية فينكدر النجم أو يطمس ضوئه طمساً كاملاً. وعند انفجار النجوم تتناثر أشلاؤها ـ ومنها الحديد ـ في صفحة السماء, فيبدأ بعض هذا الحديد في اصطياد الجسيمات الأولية للمادة لتكوين العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد بالتدريج. الشمس نجم من نجوم السماء الدنيا الشمس هي النجم الذي تتبعه أرضنا فتدور حولها مع باقي أفراد المجموعة الشمسية, وتدور معها حول مركز المجرة, وهي أقرب نجوم السماء إلينا, ويقدر بُعدها عنا بحوالي مائة وخمسين مليوناً من الكيلو مترات, ويقدر نصف قطرها بحوالي سبعمائة ألف كيلو متر(6.960*510 كيلو متر(, وتقدر كتلتها بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن(1.99*10(27) طن), ومتوسط كثافتها)1.41 جرام للسنتيمتر المكعب( أي ا على قليلا من كثافة الماء, وتبدو الشمس لنا قرصا صغيرا في السماء على الرغم من أن حجمها يزيد عن مليون ضعف حجم الأرض نظرا لبعدها الشاسع عنا. وتقدر درجة حرارة
لب الشمس بحوالي15 مليون درجة مطلقة, ودرجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة(5800 درجة مطلقة) بينما تصل درجة الحرارة في هالة الشمس( أي إكليلها) إلى مليوني درجة مطلقة, وهذه الدرجات العالية من الحرارة, والانخفاض الشديد في كثافة مادة الشمس لا يسمحان للإنسان من على سطح الأرض برؤية الشمس بالعين المجردة, ولا باستخدام المناظير المقربة إلا إذا احتجبت الكرة المضيئة للشمس (Photosphere)احتجاباً كاملا بالكسوف الكلي لها أو بالطرق المختبرية المختلفة, والكثافة في مركز الشمس تصل إلي90 جراما للسنتيمتر المكعب, وتتناقص في اتجاه سطح الشمس لتصبح جزءا من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب, وتنتج الطاقة في الشمس أساسا من تحول الإيدروجين إلى هليوم بعملية الاندماج النووي, وان كانت العملية تستمر بمعدلات بسيطة لتنتج بعض العناصر الأعلى في وزنها الذري وتتكون الشمس بنسبة70% إيدروجين,28% هليوم,2% عناصر أخري, والشمس هي مصدر كافة صور الطاقة الأرضية. ونظرا لأن غالبية جسم الشمس غازي لا تمسك به إلا الجاذبية الشديدة للشمس فان دورانها حول محورها يتم بطريقة جزئية, قلب الشمس( حوالي ثلث قطرها) يدور كجسم صلب يتم دورته في36.5 يوم من أيام الأرض تقريبا, بينما الكرة الغازية المحيطة بذلك اللب( وسمكها حوالي ثلثي نصف قطر الشمس) يتم دورته حول مركز الشمس في حوالي24 يوما من أيام الأرض, وعلى ذلك فان متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بحوالي27 وثلث يوم من أيامنا. وتجري الشمس( ومعها مجموعتها الشمسية) في صفحة الكون بسرعة تقدر بحوالي19 كيلو متر في الثانية نحو نقطة في كوكبة هرقل بالقرب من نجم النسر الواقع (Vega) وهي تسمي علميا باسم مستقر الشمس, كما تجري الشمس( ومعها مجموعتها الشمسية بسرعة تقدر بحوالي220 كيلو مترا في الثانية حول مركز مجرتنا( درب اللبانة) لتتم هذه الدورة في250 مليون سنة.
وأقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى الشمس وهو كوكب عطارد يبعد عنها بحوالي58 مليون كيلو متر, وأبعدها عن الشمس وهو كوكب بلوتو يبعد عنها بحوالي ستة آلاف مليون كيلومتر. وإذا خرجنا عن نطاق المجموعة الشمسية فان هذه المقاييس الأرضية لا تفي بقياس المسافات التي تفصل بقية نجوم السماء الدنيا عنا, فاتفق العلماء على وحدة قياس كونية تعرف باسم السنة الضوئية, وهي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعته( المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية) في سنة من سنينا, وهي مسافة مهولة تقدر بحوالي9.5 مليون مليون كيلو متر. أبعاد النجوم عن أرضنا اكتشف علماء الفلك أن اقرب النجوم إلينا بعد الشمس هو نجم الأقرب القنطوري Alpha
رسم يوضح حجم الشمس بالمقارنة مع نجم القنطوري A و B لاحظ أن الشمس أصغر من القنطوري A وهو أقرب النجوم إلينا فسبحان الله |
Centauri يبعد عنا بمسافة 4.243 من السنين الضوئية, بينما يبعد عنا النجم القطبي بحوالي400 سنة ضوئية, ومنكب الجوزاء يبعد عنا بمسافة1600 سنة ضوئية, وأبعد نجوم مجرتنا( درب اللبانة) يبعد عنا بمسافة ثمانين ألف سنة ضوئية. ومجموعتنا الشمسية عبارة عن واحدة من حشد هائل للنجوم على هيئة قرص مفرطح يبلغ قطره مائة ألف سنة ضوئية, وسمكه نحو عشر ذلك, وتقع مجموعتنا الشمسية على بعد ثلاثين ألف سنة ضوئية من مركز المجرة, وعشرين ألف سنة ضوئية من اقرب أطرافها. وتحتوي مجرتتا( درب اللبانة =Milky Way)على تريليون( مليون مليون) نجم, وبالجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة على الأقل, تسبح في ركن من السماء الدنيا يقدر قطرة بأكثر من عشرين ألف مليون سنة ضوئية. أقرب المجرات إلينا تعرف باسم سحب ماجيلان Magellanic Clouds تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين ألف سنة ضوئية. المجرات تجمعات للنجوم المجرات هي نظم كونية شاسعة الاتساع تتكون من التجمعات النجمية والغازات والغبار الكونيين ( الدخان الكوني) بتركيز يتفاوت من موقع لآخر في داخل المجرة. وهذه التجمعات النجمية تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم في المجرة الواحدة, وتختلف نجوم المجرة في إحجامها, ودرجات حرارتها, ودرجات لمعانها, وفي غير ذلك من صفاتها الطبيعية والكيميائية, وفي مراحل دورات حياتها, وأعمارها, فمنها النجوم العادية المفردة, والمزدوجة, والعديدة, والعماليق الكبار والحمر, والنجوم القزمة البيضاء والبنية والسوداء, والنجوم النيوترونية, والثقوب السود, وأشباه النجوم وغيرها مما يتخلق باستمرار من الدخان الكوني. ومن المجرات ما هو حلزوني الشكل, ومنها ما هو بيضاوي( إهليلجي), ومنها ما هو غير محدد الشكل, ومنها ما هو اكبر من مجرتنا بكثير, ومنها ما هو في حجمها أو أصغر منها, وتتبع مجرتنا عددا من المجرات يعرف باسم المجموعة المحلية Local Group وقد يتجمع عدد أكبر من المجرات على هيئة عنقود مجري
Galactic Cluster كما قد يتجمع عدد من العناقيد المجرية على هيئة عنقود مجري عملاق Galactic Super cluster يضم عشرات الآلاف من المجرات. وتتراوح المجرات في شدة إضاءتها بين سحب ماجلان العظيمة, وعدد من النقاط الباهتة التي لا تكاد أن تدرك بأكبر المقاريب(المناظير المقربة), وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا على مستوي مجرتنا, وتتراوح المسافات بين المجرات في التجمع المجري الواحد بين المليون والمليونين من السنين الضوئية, وتبلغ مائة مرة ضعف ذلك بين التجمعات المجرية التي تعتبر وحدة بناء السماء الدنيا. وبالإضافة إلى المجرات وتجمعاتها المختلفة في الجزء المدرك من السماء الدنيا فإننا نري السدم Nebulae, وهي أجسام دخانية تتخلق بداخلها النجوم, ومن السدم ما هو مضئ وما هو معتم. أشباه النجوم وهناك أشباه النجوم Quasars وهي أجسام ضعيفة الإضاءة, ولكنها تطلق اقوي الموجات الراديوية في السماء الدنيا, وقد اشتق اسمها باللغة الانجليزية من الوصف Quasi-Srellar Radio Sources أشباه نجوم مصدرة للموجات الراديوية, وان كان منها مالا يصدر موجات راديوية (Radio-quietQuasiStellarObjects).
وهي أجرام سماوية تتباعد عنا بسرعات فائقة, وتعتبر أبعد ما تم رصده من أجرام السماء بالنسبة للأرض إلى الآن. وتبدو أنها حالة خاصة من حالات المادة غير معروفة لنا, وتقدر كتلة شبيه النجوم بحوالي مائة مليون ضعف كتلة الشمس, وتبلغ كثافته واحدا على البليون من الطن للسنتيمتر المكعب( واحد على ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب), وتبلغ الطاقة الناتجة عنه مائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس. وقد تم الكشف عن حوالي1500 من اشباه النجوم على أطراف الجزء المدرك من الكون, وكشفت دراستها بواسطة المقربات الراديوية عن عدد من المفاجآت الفلكية المذهلة, ويتوقع الفلكيون وجود آلاف من هذه الأجرام السماوية العجيبة. من أسباب القسم بمواقع النجوم هذه الصفات المذهلة للنجوم تركها القسم القرآني وركز على مواقع النجوم فقال ربنا تبارك وتعالى: (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) [ الواقعة:75 ـ76] ولعل من أسباب ذلك ما يلي:
أولا: أنه نظرا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عنا, فإننا لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدا, ولا بأية وسيلة مادية, وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها, إما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهلة, أو بالانفجار والاندثار, أو بالانكدار والطمس. فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر, فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا, بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي19 كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع Vega فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء. وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس وهو المعروف باسم الأقرب القنطوري يصل إلينا ضوئه بعد4,3 سنة من انطلاقه من النجم, أي بعد أكثر من خمسين شهرا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات, بعيدا عن الموقع الذي صدر منه الضوء, وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدا, ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها, وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخري بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره, ومعدلات توسع الكون, وتباعد المجرات عنا, والتي يتحرك بعضها بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء, وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوءه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم, بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين, وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض في ضوء ظاهرة اتساع الكون, ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض ما قد انفجر وتلاشي أو طمس واختفي منذ ملايين السنين, لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يصل إلينا بعد, والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين.
ثانيا: ثبت علميا أن الضوء مثل المادة ينحني أثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون, وعليه فإن موجات الضوء تتحرك في صفحة السماء الدنيا في خطوط منحنية يصفها القرآن الكريم بالمعارج, ويصف الحركة ذاتها بالعروج, وهو الانعطاف والخروج عن الخط المستقيم, كما يمكن أن يفيد الصعود في خط منعطف, ومن هنا كان وصف رحلة المصطفي صلي الله عليه وسلم في السماوات العلا بالعروج, وسميت الليلة باسم المعراج والجمع معارج ومعاريج.
وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره إلى الأرض فإن الناظر من الأرض يري موقعا للنجم على استقامة بصره, وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء, مما يؤكد مرة أخري أن الإنسان من فوق سطح الأرض لا يمكنه أن يري النجوم أبدا.
ثالثا: أن النجوم في داخل المجرة الواحدة مرتبطة مع بعضها بالجاذبية المتبادلة بينها, والتي تحكم مواقع النجوم وكتلها, فمع تسليمنا بأن الله تعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا كما أخبرنا تبارك وتعالي بقوله: ( إن اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر:41] ويقول ربنا عز من قائل: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج:65].
إلا أن الله تعالى له سننه التي يحقق بها مشيئته ـ وهو القادر على أن يقول للشيء: كن فيكون لكنه تعالى وضع للكون هذه السنن المتدرجة لكي يستطيع الإنسان فهمها ويتمكن من توظيفها في حسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض, فمواقع النجوم على مسافات تتناسب تناسبا طرديا مع كتلها ومرتبطة ارتباطا وثيقا بقوي الجاذبية التي تمسك بها في تلك المواقع وتحفظ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله ومن هنا كانت قيمة مواقع النجوم التي كانت من وراء هذا القسم القرآني العظيم...!!
رابعا: أثبتت دراسات الفلك, ودراسات كل من الفيزياء الفلكية والنظرية أن الزمان والمكان شيئان متواصلان, ومن هنا كانت مواقع النجوم المترامية الأبعاد تعكس أعمارها الموغلة في القدم, والتي تؤكد أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا, بل كانت له بداية يحددها الدارسون باثني عشر بليونا من السنين على أقل تقدير, ومن هنا كان في القسم بمواقع النجوم إشارة إلى قدم الكون مع حدوثه, وهي حقائق لم يتوصل إليها العلم المكتسب إلا بنهاية القرن العشرين. فقد كان اليونانيون القدامى يصرون على أن الأرض هي مركز الكون, أو أن الشمس هي مركز الكون, وأن كليهما ثابت لا يتحرك, غير متصورين وجود أية بنية سماوية إلا حول الشمس, وكان غيرهم من أصحاب المدنيات السابقة واللاحقة يؤمنون بديمومة الأرض والنجوم, وما بها من صور المادة والطاقة, بل ظل الغربيون إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي يؤمنون بأن النجوم مثبتات بالسماء, وأن السماء بنجومها تتحرك كقطعة واحدة حول الأرض, وأن الكون في مركزه ثابت غير متحرك, ومكون من عناصر أربعة هي التراب, والماء, والهواء والنار وحول تلك الكرات الأربع الثابتة تتحرك السماوات, ثم يأتي القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة من السنين ليقسم بمواقع النجوم هذا القسم العظيم, مؤكدا نسبية وأهمية وتعاظم تلك المواقع, وأن الإنسان لا يمكن له رؤية النجوم من فوق الأرض, وكل ما يمكن أن يراه هي مواقع مرت بها النجوم, ويأتي العلم في نهاية القرن العشرين مؤكدا كل ذلك..!!
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال المهم: من الذي علم سيدنا محمدا صلي الله عليه وسلم كل هذه المعارف العلمية الدقيقة لو لم يكن القرآن الذي أوحي إليه هو كلام الله الخالق..!!؟
ولماذا أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا الغيبية التي لم يكن لأحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك؟ لولا أن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط أن الناس سوف يأتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقة الكونية, ثم يرجعون إلى كتاب الله الخاتم فيقرؤون فيه هذا القسم القرآني العظيم: فلا أقسم بمواقع النجوم* وإنه لقسم لو تعلمون عظيم* الواقعة:75 ـ76 فيشهدون بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, ويشهدون لهذا النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم أنه كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض, وأنه عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم كان ـ بحق ـ كما وصفه ربنا تبارك وتعالى: (ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) [ النجم:3 ـ5].
وحينما يتم لهم ذلك تخر أعناقهم للقرآن خاضعين بسلاح العلم الكوني الذي كثيرا ما استخدم من قبل ـ كذبا وزورا ـ لهدم الدين..
( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).
0 التعليقات:
إرسال تعليق